صلاة التراويح في رمضان

صلاة التراويح في رمضان

صلاة التراويح: فضلها وكيفيتها وأدلتها الشرعية

تُعد صلاة التراويح من أبرز شعائر شهر رمضان المبارك، وهي من السنن العظيمة التي شرعها الله تعالى لعباده لتكون زادًا روحيًا يزيد في الإيمان ويطهّر القلوب ويقرّب المسلم من ربّه. وهي سنة مؤكدة سنّها النبي ﷺ، وأجمع المسلمون على فضلها وعظيم أجرها.

معنى صلاة التراويح

كلمة التراويح جمع "ترويحة"، وهي المرة الواحدة من الراحة، وسُمّيت بذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يطيلون الصلاة، فيستريحون بعد كل أربع ركعات استراحة قصيرة. وصلاة التراويح تُؤدّى في ليالي رمضان بعد صلاة العشاء، وهي قيام الليل في هذا الشهر الفضيل.

حكم صلاة التراويح

صلاة التراويح سنة مؤكدة عن رسول الله ﷺ، وقد حثّ عليها ورغّب فيها. قال النبي ﷺ:

"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه." — رواه البخاري ومسلم

فهي عبادة يُثاب فاعلها ثوابًا عظيمًا، ويُحرم من فضلها من تركها تكاسلاً.

مشروعية صلاة التراويح

ثبتت مشروعية صلاة التراويح في السنة النبوية الصحيحة، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:

"أن رسول الله ﷺ صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم رسول الله ﷺ، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم."

وهذا دليل واضح على أن النبي ﷺ صلاها جماعة في المسجد، ثم ترك ذلك خشية أن تُفرض على الأمة.

عدد ركعات صلاة التراويح

لم يحدّد النبي ﷺ عددًا معينًا لصلاة التراويح، إلا أن الثابت عنه أنه لم يزد في قيام الليل في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، كما قالت عائشة رضي الله عنها:

"ما كان رسول الله ﷺ يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة." — رواه البخاري ومسلم

ومع ذلك، صلّى الصحابة والتابعون بعده بأعداد مختلفة، حتى وصلت إلى عشرين ركعة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يُنكر أحد، مما يدل على أن العدد فيه سعة، والأمر فيه مرن بحسب طاقة الناس وخشوعهم.

وقت صلاة التراويح

يبدأ وقت صلاة التراويح بعد صلاة العشاء مباشرة، ويمتد إلى آخر الليل، ويُستحب تأخيرها إلى الثلث الأخير لمن قدر، لأن هذا الوقت وقت نزول الرب سبحانه إلى السماء الدنيا واستجابة الدعاء.

"من قام مع الإمام حتى ينصرف، كُتب له قيام ليلة." — رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني

فضل صلاة التراويح

• مغفرة الذنوب: كما في الحديث الشريف "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه."
• زيادة القرب من الله: فهي تربي النفس على الإخلاص والطاعة والخشوع.
• إحياء ليالي رمضان: وهي من مظاهر عبادة الأمة الإسلامية في هذا الشهر الفضيل.
• الاجتماع على الطاعة: إذ يجتمع المسلمون على ذكر الله وقراءة القرآن في جو روحاني فريد.

صلاة التراويح في عهد الصحابة

بعد وفاة النبي ﷺ، كان الناس يصلون قيام رمضان فرادى، ثم جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على إمام واحد هو أبي بن كعب، وقال كلمته المشهورة:

"نِعْمَتِ البِدْعَةُ هذِهِ." — رواه البخاري

أي أن جمع الناس على إمام واحد كان أمرًا حسنًا لأنه أحيا سنة نبوية تُركت خشية الفرض.

كيفية صلاة التراويح

تُصلّى صلاة التراويح ركعتين ركعتين، كما قال النبي ﷺ:

"صلاة الليل مثنى مثنى." — رواه البخاري ومسلم

ويُختمها المسلم بركعة واحدة تُسمى الوتر، ويمكن أن تُقرأ في كل ركعة ما تيسر من القرآن، ويُستحب ختم القرآن الكريم خلالها في رمضان لمن استطاع.

التراويح في البيت أو في المسجد

يجوز أداء صلاة التراويح في المسجد جماعة أو في البيت فرادى، وكلاهما مشروع، لكن صلاة الجماعة في المسجد أفضل لمن لا يشق عليه الحضور، لما فيها من إحياء شعيرة جماعية ومضاعفة الأجر. أما من كان مريضًا أو مشغولًا أو يريد الخشوع أكثر في بيته، فله أجر عظيم أيضًا، لقوله ﷺ:

"أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة." — رواه البخاري ومسلم

أثر صلاة التراويح في تهذيب النفس

صلاة التراويح ليست مجرد حركات جسدية، بل هي مدرسة روحية تغسل القلب وتطهر الروح، وتذكّر المسلم بغاية الصيام الحقيقية وهي التقوى. من داوم عليها بصدق، شعر بلذة القرب من الله، ووجد راحة في قلبه وسكينة في روحه.

الخاتمة

صلاة التراويح عبادة جليلة لا تُقدّر بثمن، وهي فرصة لتجديد العهد مع الله، وتزكية النفس، وتلاوة كتاب الله بتدبر وخشوع. فحريّ بكل مسلم أن يحرص على أدائها بإخلاص، وأن يجعلها وسيلة للتقرب من الله، لا مجرد عادة سنوية.

قال الله تعالى:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ — سورة الذاريات: 15-17